هل مصر هى المحروسة
أم
القاهرة هى المحروسة
****************
إختلفت الآراء فى تحديد ما يطلق عليه إسم[ المحروسة ] هل يطلق لقب المحروسة على[مصر] أى على القطر المصرى أم يطلق لقب المحروسة على مدينة [ القاهرة ] ؟ .
حيث يذكر الدكتور/ عبد الحليم نورالدين ، العميد الأسبق لكلية الآثار ، وأحد أبرز علماء الآثار في العالم، أن تسمية مصر قد تكون ذات أصل مصري قديم في كتابه (آثار وحضارة مصر القديمة ج1) :
[[ أن مصر قد عرفت منذ فترة مبكرة بتسميات قريبة من كلمة مصر الحالية، وأن الأصل المصري لتلك الكلمة – ( والمرجح أنه انتقل للغات القديمة مثل الاشورية والبابلية والفبنيقية ) -ـ فهو كلمة " مجر" أو " مشِر "، والتي تعني المكنون أو المُحصّن... وهي كلمة تدل علي كون مصر محمية بفضل طبيعتها ، ففي الشمال بحر ، وفي الشرق صحراء ثم بحر، وفي الجنوب جنادل (صخور كبيرة) تعوق الإبحار في النيل، أما الغرب فتوجد صحراء أخرى.. وحتى اليوم تعرف مصر لدى المصريين بأنها " المحروسة " ]] .
أما الرأى الثانى بأن لقب المحروسة إنما يطلق على مدينة القاهرة ــ فهو إستنادا على أن مدينة القاهرة قد أسسها [ سنة 969 ميلادية ] القائد العسكرى / جوهر الصقلى لتكون عاصمة لمملكة الفاطميين فى مصر ومقرا لإقامة الخلفاء الفاطميين [ بدءا بأول الخلفاء الفاطميين / المعز لدين الله ] ولا يسكنها سوى الملوك والخلفاء الفاطميين فقط ولا يدخلها أحد إلا بإذن وتنفيذا لذلك تم إحاطة مدينة القاهرة بسور يعزلها عما حولها ولا يتم الدخول إليها إلا من الأبواب التى توجد بهذا السور والتى تحاط بحراسة دائمة ــ ومن هنا سميت القاهرة بالمحروسة .
وما يؤكد وجهة النظر الأخيرة من أن لقب المحروسة يطلق على مدينة القاهرة ــ ما هو مدون على كل من باب الفتوح وباب النصر الموجودين فى سور القاهرة الشمالى والذى أقامه أمير الجيوش / بدر الجمالى :
" أن من أنشا هذين البابين والسور المحيط بالمعزية القاهرة المحروسة حماها الله .... هو بدر الجمالى فى عهد الخليفة / المستنصر بالله أمير المؤمنين " .
وواضح من ذلك أن لقب المحروسة قد أطلق على مدينة القاهرة التى يحيطها السور الذى به هذين البابين أى باب النصر وباب الفتوح والتى توضح تلك الكتابات على البابين أنها [ المعزية القاهرة المحروسة حماها الله ] وذكر أنها المعزية أى المدينة التى أقيمت فى عهد / المعز لدين الله ــ أول الخلفاء الفاطميين .
**********************
بالإضافة لما سبق ذكره فإن هناك نمط أو عادة لدى المصريين فى إطلاق إسم أحد الكيانات الكبيرة على إسم عاصمة هذا الكيان أو إطلاق إسم العاصمة على الكيان الأكبر الذى يضم هذه العاصمة .
وذلك النمط فى إطلاق المسميات أوضح ما يكون فى محافظات الصعيد [ أى الوجه القبلى ] بالكامل حيث نجد أن محافظة الجيزة عاصمتها مدينة الجيزة ومحافظة بنى سويف عاصمتها مدينة بنى سويف ومحافظة الفيوم عاصمتها مدينة الفيوم ومحافظة المنيا عاصمتها مدينة المنيا ومحافظة أسيوط عاصمتها مدينة أسيوط ومحافظة سوهاج عاصمتها مدينة سوهاج ومحافظة قنا عاصمتها مدينة قنا ومحافظة الأقصر عاصمتها مدينة الأقصر ومحافظة أسوان عاصمتها مدينة أسوان .
بالإضافة لبعض محافظات الوجه البحرى التى يوجد بها هذا النمط من المسميات .
ونفس هذا النمط من المسميات لدى المصريين ينطبق أيضا على القطر المصرى وهو الكيان الأكبر حيث أن المصريين جميعا فى كافة أرجاء الجمهورية حينما يريدون السفر أو التوجه إلى القاهرة عاصمة جمهورية مصر ــ فإنهم يذكرون أنهم مسافرون أو متوجهين إلى [ مصر ] ويقصدون بذلك مدينة القاهرة وهى عاصمة مصر .
ومما يؤكد ذلك مثلا أن محطة السكة الحديد الرئيسية بمدينة الإسكندرية إسمها محطة مصر ــ أى التى يتم السفر منها وصولا إلى مصر وهى القاهرة .
كذلك يوجد بالقاهرة منطقتين يشمل إسمهما كلمة مصر ــ الأولى هى / مصر القديمة [ وتطلق على منطقة الفسطاط العاصمة الأولى لمصر الإسلامية التى أسست سنة 642 ميلادية / 22 هجرية ] ــ والمنطقة الثانية هى / مصر الجديدة التى سميت بذلك الإسم بعد إنشائها فى القرن العشرين ــ وتعتبر أيضا جزء من القاهرة عاصمة مصر .
ولايقتصر الأمر فى تسمية القاهرة بمصر على العرف أو العادة الشائعة بين المصريين فقط بل إستخدم ذلك الأمر من الحكومة المصرية بشكل رسمى ـ إذ كانت هناك عدة قرى ضمن المحافظات الشمالية للقاهرة وهى محافظتى القليوبية والشرقية ــ صدر قرار فى سنة 1880 ميلادية بإنشاء مأمورية [ مركز ] جديدة تضم تلك البلاد بإسم مأمورية ضواحى مصر وتشمل ضمنها نواحى الأميرية والزاوية الحمراء والمطرية وكفر فاروق .... الخ ـــ وقد ضمت تلك النواحى جميعها بعد ذلك لمحافظة القاهرة ــ الأمر الذى يؤكد أن المقصود بكلمة مصر هنا هو مدينة القاهرة عاصمة الدولة .
أى أن هناك دمج معنوى لدى المصريين بين مصر [ أى القطر المصرى ] وبين عاصمته القاهرة التى تسمى لدى عموم المصريين بمصر ــ وهذا الدمج أيضا قائم بينهما فى لقب المحروسة الذى يطلق على كليهما [ البلد الكبير ] وعاصمته .
وهذا النمط فى التسمية أخذه المصريين من العرب حيث يذكر المؤرخ العربى [ الإدريسى ] عن الفسطاط وهى العاصمة التى أسسها عمرو بن العاص عند فتح العرب لمصر يذكر ما يلى :
" الفسطاط هى نفس المدينة التى تسمى مصر " أى أن عاصمة مصر كانت تعرف دائما لدى العرب بإسم " مصر " وهى الكلمة نفسها التى تطلق على مصر كلها ــ [[ صفحة 330 من العدد العاشر [ 10 ] عن مدينة القاهرة من موسوعة " وصف مصر " لعلماء الحملة الفرنسية ]] .
وهذا التفسير هو الذى يوضح السبب فى أن منطقة الفسطاط [ العاصمة الإسلامية الأولى لمصر ] مازالت تسمى فى الوقت الحالى [ مصر القديمة ] أو مصر العتيقة وهى المنطقة التى بها أول مسجد شيد فى مصر والذى شيده عمرو بن العاص .