الخميس، 13 مايو 2010

تطورات الملكية العقارية فى مصر

( 1 ) ما يحكم التطورات التى مرت بها ملكية الأراضى الزراعية فى مصــر فى الأساس ولمدة طويلة هو الوضع الذى تحدد على اســــاسه التقنين لها منذ الفتح العربى لمصــــر بإعتبار أن الأراضى فى مصر هى ملكا لبيت مال المسلمين فى عاصمة الدولة الإسلامية الذى تغير مكانه مع إنتقال عاصمة الخلافة الإسلامية على مدى العصور .
ومن ثم فإن القائمين على زراعــــــة هذه الأراضى [ أى واضعى اليد عليها ] والمنتفعين بها لايعتبروا ملاك لها حيث أن ملكية الرقبة فيها هــى لبيت مال المسلمين وأن وضـــــع القائمين على زراعتها هو وضع المنتفعين فقط .


وتم ربط " الخراج " على هــــذه الأراضى والــذى يستقطع مـــن جملته ما يــلزم لإدارة الشـــــئون العامة فى مصر ويرسل باقيه إلى إدارة بيت مال المســـلمين سواء كان فى " المدينة المنورة " أم فى " دمشق " فى عهد الدولة الأموية ثم فــى " بغداد " فى عهد الدولة العباسية ..... إلى أن إستقر أخيرا فى " القسطنطينية " فى عهد الدولة العثمانية ــ منذ أن تم ضمها للدولة العثمانية فى عهد السلطان " ســــليم الأول " إلى نهاية تبعية مصـــــر للدولة العثمانية فى عهد أسرة محمد على .

وكان تقدير الخراج وتحصيله [ فى بداية فتح مصر ] لا يتم إلا بعد التحقق من مســـتوى فيضان النيل وبلوغ مستوى المياه فى مقياس النيل للإرتفاع المناسب بحيث تكفى هــــذه المياه لرى الأراضى بالقطرالمصرى [ وكان الخراج يستحق للدولة عندما يبلغ النيل" حد الوفاء " وهو 16 ذراع ] طبقا لما يســــــــجله مقــــياس النيل ـ ليغـــطى إنتاج الأرض حاجة القطر من المحاصيل مدة العام ــ وهو نفس الوضع الذى كان ســاريا فى مصر قبل الفتح العربى لها .

وكان بلوغ إرتفاع المياه بمقياس النيل ووصوله [ 16 ذراع ] هــــو نفسه الــــذى يحدد موعــــد قيام الوالى على مصر بفتح ( أو جبر أو كسر ) السد المقام على الخليج وكان الخليج وهـــو الخليج المصرى [ ويسمى خليج أمير المؤمنين ] يتفرع مـــن أمام جزيرة الروضة فى الموضــــع المعروف حتى الآن " بفم الخليج " بجوار بداية ســــور مجرى العيون بمصر القديمة .

وكان يخصص دفاتر سنوية لقيد مناسيب إرتفاع مياه النيل تسمى [ دفاتر الإرتفاع ] .
وكان الإحتفال بجبر الخليج وفتح الســـد [ وإلى موقعه ينسب شارع الســــد بالسيدة زينب ] يعتبر أحد المناسبات الهامة والمبهجة التى يشارك فيها جميع طوائف الشــعب بعاصمة مصر .

وضمانا لتحصيل الخراج على المساحة الفعلية التى تزرع على مياه النيل والتى قــد تزيد أو تنقص تبعا لتغير كمية مياه الفيضان ـــ كان يتم توزيع الأطيان فى القطر المصرى كل أربع سنوات حيث يعقد فى ديوان الخـــــراج الذى كان مقـــره بجامع عمرو بن العاص إجتماع لمن يرغبوا فى أن يقوموا بتحصيل الخراج عــن إحدى البلاد أو القرى والنواحى ويتقبل القيام بهذه المهمة نظير قيامه بأداء خراجها لبيت المال ــ ومن هنا إشتق إســــــم القبالات للمساحات التى يتقبلها كل شخص لجمع خراجها وتوريده لبيت المال ــ ومــن ثم تقيد كل مساحة بإسم متقبلها .

كما كان سلاطين المماليك يقومون بإصدار ســندات تسمى " منشور الإقطاع " ـــ حيث كان نظام الإقطاع هو المتبع وفيه تقسم أرض مصر الزراعية إلى 24 قيراط كان يخص السلطان 10 قراريط منها ويخص الأمـــــراء والجند الــ 14 قيراط الباقية لإعالة جيوش المماليك وأحيانا يخصص 4 قراريط منها للسـلطان و 10 قراريط للجند و 10 قراريط للأمـــــراء ويتم إعادة توزيع هذه الإقطاعات كل 4 سنوات ولا يبقى للمصريين ســـوى زراعة هذه الأرض وتســـليم إنتاجها للحكام ـــ وكانت مساحة الإقطاع لكل جندى مساحة نصف زمـــــام قرية وللأمير المملوكى مساحة زمام 10 قرى ــــ وكان يبلغ ريع الإقطاع للجندى فى السـنة ما بين [ ألف درهم ] و [ 10 آلاف درهم ] فى القرن الخامس عشر.

وهــذا الوضع تغير بعد ذلك فى العصـــر العثمانى وإتبع نظام الإلتزام والــــذى يلتزم فيه الشخص بدفع الخـــــراج عـــن إحدى النواحى أو المديريات ........الخ إلى بيت المال ويطلق يده هو فى تحصيل الخراج من القائمين عن زراعة هذه المساحة .

( 2 ) وكان يتم عمل مســـــاحة عامة فى كل عصــــر للأراضى الزراعية لحصــر ما فى حيازة كل شخص من الأرض بالفدان وتقدير المال عليه لكل ناحية على حدة حيث كانت الأرض الزراعية هى أساس ثروة البلاد وعمرانها ومصـــــدر الخراج الذى تجبيه الحكومة سنويا والغرض الأسمى من هــذا العمل هــــو جباية الخراج حيث تم عمل ذلك الحصر على الوجه الاتى :
  • فى ســنة 729 م [110 هـ] عملت المســـــــاحة فى العهد العربى الأول فى خلافة هشام بن عبد الملك .
  • فى سنة 869م [255 هـ] عملت المســــــاحة الثانية فى خلافة المعتز بالله الخليفة العباسى .
  • فى ســــــــــنة 483 هـ عملت مسـاحة فى عهد الدولــــة الفاطميية فى خلافة المستنصر وعملت تتمة لها سنة 490 هـ [1079 م] .
  • سنة 1297 م [ 697 هـ] فى عهد الملك المنصور حسام الدين لاجين حيث سمى ""بالروك الحسامى ""- وبلغ عــدد القرى المصرية [ 2071 ناحية ] ورصدت نتيجته فى مخطوطة "" تحفة الإرشاد ""بأمر من الملك الناصر محمد بن قلاوون عمل فك الزمام المسمى " الروك الناصرى " وهو بمثابة سجل للقرى المصرية فى ايام حكم المماليك من سنة 715 هـ إلى أواخر حكمهم وورد بيانه فــــــى كتاب " التحفة السنية " لإبن الجيعان وبلغ عـــــدد القرى المصــــرية فيه [ 2283 ناحية ] .
** سنة 1526 م [933 هـ] أى فى أوائل الحكم العثمانى وبأمــــــر من السلطان سليمان القانونى عمل فك زمام القطر المصرى وعرفت دفاتره بإسم "" الترابيع "" وعمل فيه حصر جديد للأراضى وما تجبيه من الخراج وبلغ عدد القرى المصريـة فى ترابيع 933 سنة هـ [ 2917 ناحية ] وغيرت فيه كلـمة أعمال التى كانت تطلق على أجزاء القطر المصرى إلى إسم ولاية وتم تقسيم القطر كله إلى [13] ولاية [ 7 ] منها بالوجه القبلى و[ 6 ] بالوجه البحرى منها ولاية الغربية بإعتبارها تضم البلاد الواقعة غرب فرع دمياط [ وهى التى تشمل محافظات دمياط والدقهلية وكفر الشيخ والغربية فى الوقت الحالى ] بالإضافة إلى [6] محافظات .
وكان يرأس كل ولاية منها حاكم أو كاشف ويرأس كل محافظة محافظ أما القاهرة فكان يرأسها شيخ البلد وهى [ أى القاهرة ] مقر الوالى التركى .


( 3 ) بتولى محمد على حكم مصـر أبطل الإقطاع والإلتزام سنة 1813 م [1228 هـ] وقام بإنشاء ""دفاتر التاريع "" شملت حصر لمساحة أطيان القطر المصـــــرى المزروعة وقام بقيد أطيان كل ناحية بأسماء واضعى اليد عليها لدفــع الضريبة العقارية دون التملك أو التصرف فيها وتسمى هذه الأرض بالأرض الخراجية - وتعد دفاتر التاريع التى أمـــر محمد على بوضعها مــــن أهم أعماله العمرانية توصلا لحصــــــــر الأراضى الزراعية فى جميع المديريات وفرض ضرائب ثابتة سنوية عليها .
وبلغت مساحة الأراضى المزروعة سنة 1821 م [ 2 مليون ] مليونى فدان وبلغت سنة 1840 م 3.856.000 فدان .
وأنعم محمد على باشا على كبار موظفيه وأمرائه بالأطيان البور لإستصلاحها على أن يربط على المستصلح منها العشر مـن غلتها عينا أو نقدا وسميت هذه الأرض بالأرض العشورية .
وإستمرت الأرض الخراجية ملكا صريحا للدولة حتى أواخر عهد الخديوى إسماعيل .

( 4 ) فى 5 أغسطس 1858 م ( 24 ذى الحجة سنة 1274 هـ ] أصـــدر سعيد باشا قانونه المشــــــــهور باللائحة السعيدية بتخويل الفلاحين حق التوريث للمنتفعين بالأراضى الخراجية المعتبرة ملكا للحكومة بحسب الفريضة الشرعية ما داموا قادرين على زراعتها وتأدية خراجها وهى أساس التشريع الخاص بملكية الأطيان فى القطر المصرى .

( 5 ) فى 30 أغسطس ســنة 1871 م [ 1288 هـ ] فى أواخر عـــهد الخديوى إسماعيل صدر ""قانون المقابلة "" وفيه سمح لواضع اليد على الأرض بالتملك لها بعد أن يدفع أموال الأراضى الخراجية أو العشـــــورية عن مدة ســـت [ 6 ] سنوات ويكون له حق الملكية المطلقة .

( 6 ) فى 18 أكتوبر 1883 م صدر الأمـــــر العالى بإعتمــــــاد القانون المـــدنى للعمل به أمام المحاكم الوطنية وتقرر فيه بالمادة السادسة حق الملكية للأهالى الذين سددوا حق المقابلة .

( 7 ) فى 3 سبتمبر سنة 1896 م صدر الأمر العالى بتعديل المادة السادسة من المجموعة المدنية الأهلية بتخويل حق الملكية الصريحة فى الأطيان الخراجية التى لم يدفع عنها المقابلة وهى التى كان للحكومة فيها حق الرقبة وللأهالى حق الإنتفاع وذلك أسوة بالأطيان التى دفعت عنها المقابلة وبذلك أصبح واضعى اليد ملاكا لأراضيهم الزراعية وتم فرض الضرائب الأميرية على هذه الأطيان وكانت تقدر مبدئيا بنسبة 28.61 % من الإيجار السنوى للفدان .

( 8 ) بدأت عملية مسـاحة القطر المصرى التى أطلق عليها عملية "" فك الزمام "" فى سنة 1899 م وإستمرت حتى 1906 لتحديد الممتلكات وإثبات ذلك على خرائط مساحة تعين بالضبط موقع وشكل كل قطعة مساحية بإسم صاحبها وحصر أطيان الحكومة وحدها وفرز درجات الأطيان .
حيث إجريت عملية مساحة تفصيلية عمومية تضمنت :
أ = عمل خرائط مساحية تفصيلية .
ب = إنشاء دفاتر مســـاحة لكل ناحية ويشمل كل دفتر جميع الأحواض التى قسم إليها زمام الناحية ويوضح فيه جميع القطع التى يشملها كل حوض حيث يذكر مسطح القطعة وإســـــم المالك لها كما أنه تم فــرز حدود الأطيان التى تشغلها المنافع العمومية كالترع والمصارف والطرق والجبانات أما المنطقة المقام عليها ســـــكن الناحية فإنها تحصر تحت نمرة خاصة لإعفائها من ربط الضريبة عليها وتعتبر مثل هذه المناطق من أملاك الأهالى .
وأطيان المنافع العامة سواءا كانت للرى أو الطرق أو المرور لايتملكها الأهالى بوضع اليد المدة الطويلة فى حالة التعدى بإعتبارها منافع عامة .

وسجل دفتر المساحة كان يتم بعد بحث دقيق مع واضعى اليد ومقارنة المساحات التى يضع اليد عليها كل مالك مع تكليفه السابق والمستندات التى تؤيد ملكيته من حجج وعقود .
ج = سجل يعرف بدفتر الميزانية والذى خصص لما يملكه كل مالك بالناحية .
د = إنشاء دفاتر مكلفات لكل ناحية من واقع دفاتر الميزانية يتم بموجبه ربط الأموال الأميرية المستحقة على وضع يد كل مالك .
وقد بلغت عدد نواحى القطر المصرى فى نهاية عملية فك الزمام سنة 1906 [ 3430 ] ناحية منها فى الصعيد [ 1387 ناحية ] وفى الوجه البحرى [ 2043 ناحية ] .
وبموجب هذه الإجراءات أمكن حصر الملكية الفردية فى جميع أنحاء القطر المصرى .


( 9 ) فى سنة 1923 صدر القانونان رقمى 18 و 19 الخاصان بنظام التســــجيل للعقود الناقلة للملكية حيث أوجبا أن تكون العقود الصادر عنها معاملات عقارية بين الأهالى شاملة لأدق بيان لمـــوقع الأطيان الجارى التعامل عنها وكذلك بيان التكليف والملكية وصلة البائع بهما وقد ترتب على صدور هذين القانونين أن إنتظمت البيانات بالعقود المسجلة .

(10) وفى سنة 1932 بدأت أعمال المساحة التفصيلية الحديثة لأراضى القطــــر المصرى وعمل إســـــتمارة لكل قطعة مساحية عرفت بإستمارات التغيير حيث يثبت عليها أى تعاملات تتم عن هذه القطعة منذ نشأتها وإعطاء كل قطعة منشـــــــقة من القطعة الأصلية رقما خاصا بها وتاليا لآخر رقـــــــم قطعة بالحوض وعمل إســـــتمارة تغيير لكل قطعة منشقة لإثبات جميع التعاملات التى تتم عليها.

(11) فى سنة 1946 صـــــــــدر القانون 114 الخاص بتنظيم الشــــهر العقارى بالقطر المصرى مــــــن حيث التعامل والتوثيق والتســــــجيل لجميع المعاملات التى تصــدر بين المتعاقدين .
وذلك جميعه كان الغرض منه وضــــــع الأســــس الممهدة لتطبيق السـجل العينى والذى يهدف إلى أن يكون الأساس فى ضبط الملكية مصدره تاريخ القطعة نفسها وليس المالك وأن يفتح ســــجل للقطعة أو العقار بعد ضبط إسم المالك الحقيقى له بعد إعلانه بصفة رسمية فى الوقائع وإعتباره مالكا حقيقيا فى حالة عدم الإعتراض عليه .

(12 ) فى سنة 1948 صدر القانون المدنى الجديد رقم 131 والذى بدأ العمل به إعتبارا من 15 / 10 / 1949 .
كان نص المـادة 970 منه يبيح إكتساب الحقوق العينية على الأمــــــوال الموقوفة بالتقادم مدة [ 33 سنة ] .
فى 13 /7/ 1957 صـدر القانون 147 بتعديل المادة 970 مــــن القانون المدنى مقررا عدم إكتساب أى حقوق عينية بالتقادم على أموال الأوقاف الخيرية وكذا املاك الدولة الخاصة.


( 13 ) فى سنة 1952 صدر القانون رقم 178 الخاص بالإصلاح الزراعى والــــذى تضمن تحديد حد أقصى للملكية الزراعية وتلته عدة تعديلات فى السنوات التالية .

( 14 ) فى سنة 1952 صدر القانون رقم 180 بحل الأوقاف على غير الخيرات .

( 15 ) فى 24 مارس سنة 1964 صدر القانون رقم 142 الخاص بالسجل العينى ونشر بالعدد رقم 19 من الجريدة الرسمية وبدأ تطبيقه مرحليا فى بعض مناطق القطر المصرى .